لوعدنا بالزمن إلى الوراء قليلاً كان من المرجح أن نرى أن معظم مقابلات التلفاز والمجلات وجميع وسائل الإعلام تتطرق للحديث عن اختراع جديد سيغير البشرية ويحدث ثورة تقنية عابرة للقارات، اختراع يسمى -الإنترنت-.
تمكن الإنترنت خلال العقود الماضية من الحصول على ثقة المستخدمين وضمان موثوقية التعاملات التي تتم عن طريقه مهما كان البعد بين الأفراد، حيث حافظ ولا يزال يحافظ على تأمين طرق تواصل فعالة ومباشرة بين الناس.
لا شك أن جميعنا على علم أنه عندما ظهر الإنترنت كان عبارة عن مفهوم ضبابي، غريب، ومستبعد بالنسبة لغالبية العالم، ولكن تطورت بعدها التقنية بشكل رهيب جداً، وها هو الأمر الآن يُعاد تارةً أخرى ولكن مع ابتكار جديد يسمى تقنية البلوك تشين Blockchain. دعونا نتعرف في هذا المقال عن تقنية البلوك تشين وحقيقة قصته.
لماذا ظهرت تقنية بلوك تشين Blockchain؟
تعتبر الإجابة عن لماذا دوماً أشمل وأكثر أولوية للقارئ من الإجابة عن ماذا…
لذلك قبل أن نتعرف عن ماهية تقنية البلوك تشين (Blockchain) لا بدَّ من التطرق لبعض المفاهيم، والحقائق الحالية التي أدَّت بشكلٍ، أوبآخر إلى خلق الحاجة لتكنولوجيا البلوك تشين، فلا يمكن فهم تفاصيل التقنية، وأهمِّيتها دون المرور على السمات الأبرز للأنظمة المالية، الحكومية، والرقميِّة ما قبل ظهور سلاسل الكتل، وهنا تظهر السمة الأبرز ألا وهي المركزيَّة. فلنتعرف معاً على مفهوم المركزية الذي تم اعتماده بالمعاملات الرقمية، الرسمية، المالية، وغيرها الكثير قبل ظهور تقنية البلوك تشين (Blockchain).
مفهوم المركزية في المعاملات الرقميَّة
عند تواصلنا أو مخاطبتنا لأيِّ نظامٍ معلوماتيٍّ نحتاج إلى حاسب مركزيٍّ (سيرفر) يستلم البيانات، ويعيد توجيهها، ممَّا يجعل الحاسب على اطلاع على تلك البيانات بل وقادر على التحكُّم بها، أي أنَّنا لا نستلم ما يتم إرساله لنا بل نستلم نسخة مطابقة له، وطبعاً ربّما لا يكون ذلك محبذاً في حال إرسال البيانات الحسَّاسة، أو الصور الشخصيَّة الخاصَّة، أو أسرار الشركات، لأنَّ مركزيَّة السيرفرات تعني إمكانيَّة اختراقها وبالتالي التلاعب بهذه البيانات وسرقتها، وينطبق ذلك على كلِّ وسائل التواصل الاجتماعيِّ التي تعتمد في عملها على سيرفراتٍ مركزيَّةٍ لتنظيم بيانات مستخدميها، فيرسل المستخدم رسالة لأحد معارفه تمرُّ من خلال سيرفرٍ مركزيٍّ يعيد إرسالها إلى هذا الشخص .
وبناءً على ذلك تصبح البيانات -حتَّى لو زودناها بالحماية الكاملة وعدم الاختراق- في خطر الاستخدام الربحي من قبل بعض الشركات كشركات الإعلانات، أو الدراسات الإحصائية، أو أيِّ طرفٍ آخر مهتمّ بشراء هذه البيانات لأغراضٍ شخصية، تجاريةٍ، أو غير تجاريَّةٍ أو لأسبابٍ تجسُّسيَّةٍ بحتةٍ، ولو عندك شكٌ بذلك يكفي أن تنظرلردة فعل الحكومة الأمريكيَّة، وتهديدات الحظر والمنع لتطبيق تيك توك المتَّصل مباشرةً بسيرفراتٍ مركزيَّةٍ صينيَّةٍ، ما يضع الأمن القوميَّ الأمريكيَّ في خطر التجسُّس، وتتبُّع آراء الأمريكيِّين، وربَّما التأثير على أفكارهم بإعلاناتٍ موجَّهةٍ تناسب عقليَّة كلِّ فردٍ فيهم، كل ذلك بناءً على بياناتهم المركزيّة التي تم الاستفادة منها وتوظيفها بشكل يخدم مصالح جهات أخرى.
مفهوم المركزية في المعاملات الرسمية
بالحديث عن المركزيَّة بالمعاملات الرسميَّة الموجودة في أنشطة حياتنا اليومية، نرى أنك إذا أردت استخراج الوثائق الموجودة لدى إحدى الجهات الرسمية (سيرفرها المركزيٍّ)، لا بدَّ من الدخول إليه ومراسلته وطلب وثائقك منه ثمَّ إرسالها، ممَّا يجعل الحكومة هي المهيمن الوحيد على بيانات المواطنين، وربَّما يكون الأمر بسيطاً في بلدٍ ديمقراطيٍّ ذات حكومة شفَّافة، لكن يبقى السؤال الأبرز؛ ما هو مصير الشعوب في بلادٍ تحكمها نخبةٌ ديكتاتوريَّةٌ ربَّما تمحي أقلِّيَّاتٍ، وتغيِّر ديموغرافيا منطقةٍ بأكملها دون محاسبةٍ أو مساءلةٍ، ممَّا يلحق الضرر بالكثير من المواطنين دون قدرتهم على إثبات أحقِّيتهم، أو ملكيَّتهم، أو حتَّى هويَّتهم التي تصبح موضع شكٍّ، وخلافٍ؟
مفهوم المركزية في المعاملات المالية
أما عن المركزيَّة في المعاملات المالية، فتعتبر هنا المركزيَّة خدمة يجري بيعها أيضاً، حيث أن البنوك وشركات التحويل ليسوا إلا سيرفراتٍ مركزيَّة للأموال يمكن نقل المال من خلالها من مكانٍ إلى آخر وفق فروع البنك المتواجدة في كلِّ مكانٍ، أو عبر شركائها من شركات الصرافة، ممَّا يجعل ميِّزتها الوحيدة هي المركزيَّة والضمان التي استطاعت تحويلها إلى قيمةٍ حقيقيَّةٍ، ولو تجرَّأنا لقلنا أيضاً إنَّ الكثير من الخدمات هي وصلة (رابطٌ ومنصَّةٌ) بين البائع والمشتري ليس إلا، مثل تكسي أوبر وكريم، أو منصَّات العمل الحرِّ، أي أنَّها تبيع مركزيَّة، وضماناً، وقناة عبورٍ تجمع الطرفين لا أكثر، وتأخذ عمولتها لقاء ذلك.
لكن ماذا لو كانت هنالك آليَّةٌ للتَّواصل وإنجاز المعاملات دون سيرفرٍ مركزيٍّ؟
هذه الفكرة الثوريَّة هي فكرة سلسلة الكتل، التي تتلخَّص بتحويل التبادل المعلوماتيِّ إلى نوع محدد من الشبكات تسمى بشبكات الند للندِّ (Peer-to-Peer)؛ حيث يمكن لكل حاسب أن يعمل كسيرفر للآخرين، مما يسمح بالوصول المشترك إلى الملفات والأجهزة الطرفية دون الحاجة إلى سيرفر مركزي أي أن التواصل سيكون بين كياناتٍ مباشرةٍ دون وسيطٍ بينهم، ودون خوفٍ على البيانات من التزوير، أو مخاوف الخصوصيَّة. لذلك ظهرت تقنية بلوك تشين blockchain التي تعد اللامركزيَّة هي أهم سماتها التقنية.
ما هو البلوك تشين Blockchain (البلوكتشين)؟
بدأ العصر الرقميُّ منذ منتصف القرن العشرين، وبدأت معه مجموعة أفكار ثوريَّة ذات طابع تكنولوجي، بدأت من الإنترنت وانتقلت إلى البرامج المجَّانيَّة مفتوحة المصدر، وحتَّى نظام الأندرويد ، ومنصَّات التطوير الجماعيِّ التي غيَّرت من تقوقع العالم، ومركزيَّته، وتتبلورالآن فكرةٌ ثوريَّةٌ جديدةٌ من نوعها ستغيِّر من وجه العالم الرقميّ ومعاملاته. ألا وهي سلسلة الكتل (البلوك تشين)، فما هي؟
تقنية سلسلة الكتل المعروفة باسم البلوك تشين (تقنية البلوكتشين) أو كما تسمى أحياناً نظام البلوك تشين (blockchain البلوكتشين)، تعرّف بشكل مبسط على أنها طريقة تتيح لأي شخص إمكانية توثيق التعاملات بدون وسيط للتأكد أنه لا يوجد أي عملية تزوير، وذلك بفضل بنيتها التكنولوجية المؤلفة من قاعدة بيانات مطردة (متزايدة باستمرار) وموزعة على قائمة من الكتل التي تسمى أيضاً سجلات.
أما تقنياً يتم تعريف مفهوم البلوك تشين (Blockchain) على أنه مجرَّد تقنيةٍ (سجلٌّ عموميٌ) لحفظ البيانات على الشبكة، ومكان لتسجيل البيانات وحفظها بشكلٍ دائمٍ للجميع بغية استخدامها في المستقبل (قاعدة بياناتٍ لا تسمح بالحذف). وبمصطلحٍ تقنيٍّ أكثر فهي عبارة عن قاعدة بياناتٍ مفتوحة، وموزَّعة.
تتصف كل كتلة بطابع زمني ورابط إلى الكتلة أو السجل السابق، كما تتيح تقنية البلوك تشين (Blockchain) لجميع الأطراف أن يتعاملوا مباشرةً مع بعضهم البعض دون الحاجة لأي وسيط أو جهة مركزية. ونتيجةً لصفاتها اللامركزية اكتسبت القدرة على الحفاظ على جميع البيانات المخزنة بداخلها من دون أي تزوير أو تعديل، بمعنى آخر، عندما يتم تخزين معلومة ما داخل البلوك تشين لا يمكن لاحقاً حذفها أو تعديلها، وفي حال تعديلها ستظهر الكتلة الحاملة للمعلومة الأصل ومن ثم بعدها كتلة أخرى حاملة للمعلومة المعدلة على الأصل أو سوف يؤدي ذلك إلى قطع ارتباط السلسلة وسترى الشبكة جميع تفاصيل ما حدث.
متى ظهرت تقنية البلوك تشين Blockchain (البلوكتشين)؟
تعتبر تقنية البلوك تشين (Blockchain) واحدة من أكبر ابتكارات القرن الحادي والعشرين، نظراً لتأثيرها المضاعف على عدة قطاعات مختلفة منها المالي، التعليمي، الخدمي، التجاري، والحكومي.
ظهر مصطلح سلسلة الكتل أو بلوك تشين للعلن عام 2008 على يد مجموعةٍ مجهولةٍ تدعى "ساتوشي ناكاموتو" تمثِّل على الأغلب مجموعة من الثائرين على المركزيَّة في المعاملات الرقميَّة، والماليَّة الرسميَّة، وغير الرسميَّة، وُنُفِّذت لأوَّل مرَّةٍ عام 2009 لتكون جزءا من عملة بتكوين الرقميَّة، إذ صُمِّمت آنذاك لتشفيرها إعلاناً لرفض الأموال التي تسيطر عليها الحكومات، والمصارف .
بالرغم من ذلك، من غير المعروف للكثيرين أن تاريخ تقنية البلوك تشين (Blockchain) يعود إلى أوائل التسعينيات، حيث بدأت شعبيتها في النمو قبل بضع سنوات، وتحديداً عندما ظهر لها عدد واسع من التطبيقات التي أكدت جميعها على مقدار أثرها الهام على الاقتصاد الرقمي العالمي. لذلك دعونا نتعرف الآن على تاريخ تكنولوجيا البلوك تشين (Blockchain).
ما هو تاريخ تقنية البلوك تشين (Blockchain)؟
في عام 1991، تصور ستيوارت هابر (Stuart Haber) و دبليو سكوت ستورنيتا (W. Scott Stornetta) بمفهوم تقنية البلوك تشين blockchain. تضمن عملهم الأول العمل على سلسلة من الكتل المؤمنة بالتشفير حيث لا يمكن لأحد العبث في الطوابع الزمنية للوثائق.
في عام 1992 ، قاموا بترقية نظامهم لدمج أشجار Merkle التي عززت الكفاءة وبالتالي تمكين جمع المزيد من المستندات على كتلة واحدة. ومع ذلك، في عام 2008 ، بدأ تاريخ تقنية البلوك تشين blockchain يكتسب أهمية، وذلك بفضل العمل الذي يقوم به شخص واحد أو مجموعة باسم ساتوشي ناكاموتو (Satoshi Nakamoto).
من هو مؤسس أول تطبيق لتقنية بلوك تشين Blockchain؟
تم اعتماد ساتوشي ناكاموتو باعتباره العقل المدبر وراء تقنية Blockchain. لا يُعرف سوى القليل جدًا عن ناكاموتو حيث يعتقد الناس أنه يمكن أن يكون شخصًا أو مجموعة من الأشخاص الذين عملوا على بيتكوين Bitcoin، الذي يعتبر أول تطبيق لتقنية دفتر الأستاذ الرقمي (digital ledger technology). وضع ناكاموتو تصوراً لأول تطبيق عملي لتقنية البلوك تشين Blockchain في عام 2008 حيث تطورت تكنولوجيا البلوك تشين Blockchain ووجدت طريقها إلى العديد من التطبيقات الأخرى بخلاف العملات المشفرة.
متى تم اختراع تقنية البلوك تشين (Blockchain)؟
تم ابتكار تقنية البلوك تشين Blockchain من قبل اثنان من علماء الرياضيات أرادوا تنفيذ نظام لا يمكن التلاعب فيه بالطوابع الزمنية للوثائق؛ ألا وهم ستيوارت هابر (Stuart Haber) ودبليو سكوت ستورنيتا (W. Scott Stornetta)، وعلى ذلك يمكن القول أن تقنية البلوك تشين (Blockchain) تم اختراعها في عام 1991.
ومنذ ذلك الحين إلى يومنا هذا تمتَّعت سلاسل الكتل بالموثوقيَّة والخصوصيَّة، واستحالة التزوير، ارتبطت بكلِّ مجالٍ يحتاج هذه السمات المهمة، ولو لم نبالغ وأنصفنا سلاسل الكتل لقلنا إنَّها ستحلُّ محلَّ كلّ نظامٍ مركزيٍّ حاليٍّ بنفس الكفاءة بل وبكفاءةٍ وقدراتٍ أكبر، هذا وما زالت في مهدها بتقنياتٍ وليدةٍ دون أن ينفتح العالم عليها مستخدماً ومطوراً.
مستقبل تقنية بلوك تشين Blockchain
يبدو أن مفهوم تقنية البلوك تشين غريباً علينا لأنَّنا معتادون على فكرة المركزيَّة، والوسيط المركزيُّ، لكن بالواقع من المرجح للغاية أن يكون لتقنية البلوك تشين Blockchain مستقبلاً مشرق، ويتضح ذلك من خلال الطريقة التي تستثمر بها الحكومات والشركات بشكل كبير في سعيها لتحفيز الابتكارات والتطبيقات المتعلقة بتكنولوجيا البلوك تشين Blockchain.
من جهة أخرى، أصبح من الواضح بشكل متزايد أنه في يوم من الأيام سيكون هناك بلوك تشين Blockchain عام يمكن لأي شخص استخدامه. كما يتوقع المناصرون تقنية البلوك تشين Blockchain، أن تساعد هذه التكنولوجيا في أتمتة معظم المهام التي يتولاها المتخصصون في العديد من القطاعات.
علاوة على ذلك، نظراً للتحول الرقمي لتكنولوجيا البلوك تشين Blockchain، من المتوقع أن تنمو قيمة الأعمال إلى أكثر من 176 مليار دولار من خلال 2025 وتتجاوز 3.1 تريليون دولار بحلول عام 2030 (تبعاً لتوقعات شركة الأبحاث Gartner Trend Insights).
أدى تطور تقنية Blockchain في السنوات الأخيرة إلى زيادة الطلب على الأفراد المختصين ومحترفي تكنولوجيا البلوك تشين Blockchain. لذلك، إذا كنت تطمح إلى بناء مهنة في البلوك تشين Blockchain ، فهذا هو الوقت المناسب لمتابعة سلسلة مقالاتنا التعليمية. سنتعرف في المقال القادم على البنية التكنولوجية لتقنية البلوك تشين (سلسلة الكتل) وتطبيقاتها في العديد من القطاعات، بالإضافة إلى المجالات التي ستلعب سلاسل الكتل دورا مهماً في دعمها.
اتخذ الخطوة الأولى الآن وتعلم كل ما تحتاج معرفته بشكل مبسط من خبراء منصة كابيديا لتضع حجر الأساس لمفاهيم تكنولوجيا البلوك تشين Blockchain المشرقة في المستقبل!
يمكنك الاطلاع على أهم شركات التداول الموثوقة وفتح حساب مجاني تجريبي,
يمكنك الاطلاع على أهم شركات التداول الموثوقة وفتح حساب مجاني تجريبي,
تعرف على أهم شركات التداول
ابدأ التداول الآنالبلوكشين
شاركنا تعليقك على المقال
تعليقات سابقة